فصل: 947- باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نفْساً مُعَاهَدَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


15- كتاب الديات

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الديات جمع دية‏:‏ قال في الغرب الدية مصدر ودي القاتل والمقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس‏.‏ ثم قيس لذلك المال الدية تسمية بالمصدر‏.‏ ولذا جمعت وهي مثل عدة في حذف الفاء قال الشمني وأصل هذا اللفظ يدل على الجري، ومنه الوادي لأن الماء يدى فيه أي يجري وهي ثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى ‏{‏ودية مسلمة إلى أهله‏}‏ وبالسنة وهي أحاديث كثيرة، وإجماع أهل العلم على وجوبها في الجملة كذا في المرقاة‏.‏ وقال في النهاية يقال وديت القتيل اديه دية إذا أعطيت ديته ولتديته أي أخذت ديته انتهى‏.‏

937- باب مَا جَاءَ في الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الإبِل

1384- حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الَكِنْدِيّ الكُوفِيّ أخبرنا ابنُ أبي زَائِدَةَ عنْ الْحَجّاجِ عنْ زَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ عنْ خشْفِ بنِ مَالِكٍ قالَ سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في دِيَةِ الخَطَأ عِشْرِينَ بنت مَخَاضٍ، وعِشْرِينَ بنِي مَخَاضٍ ذُكُوراً، وعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونِ وعِشْرِينَ جَذَعَةً وعِشْرِينَ حِقّةً‏.‏

وفي الباب عن عبد الله ابن عمرو أخبرنا أبو هشام الرفاعي أخبرنا بنُ أبي زَائِدَةَ وأبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عنْ الْحَجّاجِ بنِ أَرْطَاةِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وقدْ رُوِيَ عنْ عَبْدِ الله مَوْقُوفاً‏.‏ وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ إلَى هَذَا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ،، وقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنّ الدّيَةَ تُؤْخَذُ في ثَلاثِ سِنينَ فِي كُلّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدّيَةِ، ورَأَوْا أنّ دِيَةَ الخَطَإ عَلَى العَاقِلَةِ ورَأَى بَعْضُهُمْ أَنّ العَاقِلَةَ قَرَابَةُ الرّجُلِ مِنْ قِبَلِ أبِيهِ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشّافِعيّ وقالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا الدّيَةُ عَلَى الرّجَالِ دُونَ النّسَاءِ والصّبْيَانِ مِنَ العَصَبَةِ يُحَمّلُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ وقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى نِصْفِ دِينَارٍ فإن تَمّتِ الدّيَةُ وإلاّ نُظِرَ إلَى أقْرَبِ القَبَائِلِ مِنْهُمْ فأُلزِمُوا ذَلِكَ‏.‏

1385- حدثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارِميّ‏.‏ أخبرنا حَبّانُ‏.‏ ‏(‏وهو ابن حلال‏)‏ حدثنا مُحَمّدُ بنُ رَاشِدٍ‏.‏ أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ مُوسَى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَتَلَ مؤمناً مُتَعَمداً دُفِعَ إلَى أوْلِيَاءِ المَقْتُولِ فَإنْ شَاؤُا قَتَلُوا وَإِنْ شَاؤُا أَخَذُوا الدّيّةَ وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقّةً وثلاَثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ خَلِفَةً ومَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو حَدِيثٌ حسنٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن خشف‏)‏ بكسر الخاء وسكون الشين المعجمتين وبالفاء ‏(‏ابن مالك‏)‏ الطائي وثقة النسائي من الثالثة قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏في دية الخطأ‏)‏ أي في دية قتل الخطأ‏.‏ اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب‏:‏ عمد، وخطأ، وشبه عمد‏.‏ وإليه ذهب الشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فجعلوا في العمد القصاص، وفي الخطأ الدية المذكورة في حديث الباب، وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والإبرة مع كونه قاصداً للقتل دية مغلظة‏.‏ وهي مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها‏.‏ وقال مالك والليث وغيرهما‏:‏ إن القتل ضربان عمد وخطأ، فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة والعمل ما عداه، والأول لا قود فيه‏.‏ والثاني فيه القود‏.‏ ولا يخفى أن الأحاديث التي تدل على القسم الثالث وهو شبه العمد صالحة للاحتجاج بها، وإيجاب دية مغلظة على فاعله‏.‏ قاله الشوكاني‏.‏ ‏(‏عشرين ابنة مخاض‏)‏ هي التي تطعن في السنة الثانية من الإبل ‏(‏وعشرين بني مخاض ذكوراً‏)‏ بالنصب كذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة ذكور بالجر، قال القاري‏:‏ بالجر على الجوار كما في المثل جحر ضب خرب‏.‏ كذا في الترمذي‏:‏ وأبي داود وشرح السنة وبعض نسخ المصابيح وفي بعضها ذكوراً بالنصب وهو ظاهر‏.‏ انتهى كلام القاري‏.‏ فظهر من كلامه هذا أن نسخة الترمذي التي كانت عند القاري كان فيها ذكور بالجر ‏(‏وعشرين بنت لبون‏)‏ قال في مجمع البحار‏:‏ بنت اللبون وابن اللبون وهو من الإبل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة فصارت أمه لبونا أي ذات لبن بولد آخر ‏(‏وعشرين جذعة‏)‏ هو من الإبل ما تم له أربع سنين ‏(‏وعشرين حقة‏)‏ بكسر الحاء المهملة وتشديد القاف وهي الداخلة في الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو هشام الرفاعي‏)‏ بكسر الراء اسمه محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه الخمسة إلا الترمذي بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشرة بني لبون ذكور، وسكت عنه أبو داود‏.‏ وقال المنذري‏:‏ في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ومن دون عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحول وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه ابن حبان وأبو زرعة‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ هذا الحديث لا أعرف أحداً قال به من الفقهاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه‏.‏ وقد روي عن عبد الله موقوفاً‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعاً لكن فيه بني مخاض بدل ابن لبون، وبسط الدارقطني القول في السنن في هذا الحديث ورواه من طريق أبي عبيدة عن أبيه موقوفاً، وفيه عشرون بني لبون‏.‏ وقال هذا إسناد حسن‏.‏ وضعف الأول من أوجه عديدة وقوى رواية أبي عبيدة بما رواه عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود على وفقه‏.‏ وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه والجواد قد يعثر‏.‏ قال‏:‏ وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن عبد الله وعن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بني مخاض‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وقد رد على نفسه بنفسه فقال‏:‏ وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال بني لبون كما قال الدارقطني‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فانتفى أن يكون الدارقطني غيره فلعل الخلاف فيه من فوق انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين‏)‏ روى ابن أبي شيبة من طريق ابراهيم النخعي‏.‏ قال‏:‏ أول من فرض العطاء عمر‏.‏ وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ثلثا الدية في سنتين والنصف في سنتين والثلث في سنة، وما دون ذلك في عامه‏.‏ وأخرجه عبد الرزاق من طريق عن عمر كذا في الدراية‏.‏ ولفظ عبد الرزاق في طريق أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة‏.‏ ولفظه في طريق أخرى‏:‏ إن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة وما دون الثلث فهو في عامه ولفظه في رواية أخرى وقضى بالدية في ثلاث سنين وفي كل سنة ثلث على أهل الديوان في عطياتهم‏.‏ وقضى بالثلثين في سنتين وثلاث في سنة وما كان أقل من الثلث فهو في عامه ذلك‏.‏ كذا في نصب الراية‏:‏ ‏(‏ورأوا أن دية الخطأ على العاقلة‏)‏ بكسر القاف جمع عاقل وهو رافع الدية، وسميت الدية عقلاً تسمية بالمصدر لأن الابل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلاً‏.‏ وعاقلة الرجل قرابانة من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول‏.‏

وتحمل العاقلة الدية ثابت بالسنة‏.‏ وأجمع أهل العلم على ذلك وهو مخالف لظاهر قوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من المصلحة‏.‏ لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله‏.‏ لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يكون السر فيه أنه لو أفرد بالتغريم حتى يفتقر لاَل الأمر إلى الإهدار بعد الافتقار فجعل على عاقلته‏.‏ لأن احتمال فقر الواحد أكثر من احتمال فقر الجماعة، ولأنه إذا تكرر ذلك منه كان تحذيره من العود إلى مثل ذلك من جماعة ادعى إلى القبول مع تحذيره نفسه‏.‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏ وعاقلة الرجل عشيرته‏.‏ فيبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب إليهم‏.‏ وهي على الرجال الأحرار البالغين أولى اليسار منهم انتهى‏.‏ ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ إنما الدية على الرجال دون النساء والصبيان من العصبة‏)‏ قال في الهداية من كتب الحنفية‏:‏ وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله عنه لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قال الحافظ الزيلعى في تخريج الهداية غريب انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الدراية‏.‏ لم أجده انتهى‏.‏ قال في الهداية‏:‏ ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالنساء والصبيان ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية انتهى‏.‏ ‏(‏ويحمل‏)‏ بصيغة المجهول من التحميل ‏(‏كل رجل منهم ربع دينار وقد قال بعضهم إلى نصف دينار‏)‏ قال صاحب الهداية‏:‏ وتقسم عليهم في ثلاث سنين، لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها‏.‏ كذا ذكره القدوري في مختصره‏.‏ وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية‏.‏ وقد نص محمد رحمه الله على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في الثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهما أو درهما وثلث درهم وهو الأصح‏.‏ وعند الشافعي رحمه الله‏:‏ يجب على كل واحد نصف دينار لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار انتهى‏.‏ ‏(‏فإن تمت الدية‏)‏ أي فيها ‏(‏وإلا‏)‏ أي وإن لم تتم الدية ‏(‏نظر إلى أقرب القبائل منهم فألزموا‏)‏ بصيغة المجهول من الإلزام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قتل‏)‏ بصيغة المعلوم ‏(‏دفع‏)‏ بصيغة المجهول أي القاتل ‏(‏وهي ثلاثون حقة‏)‏ بكسر الحاء وهي من الإبل ما دخلت في السنة الرابعة لأنها استحقت الركوب والحمل ‏(‏وثلاثون جذعة‏)‏ بفتحتين وهي ما دخلت في السنة الخامسة ‏(‏وأربعون خلفة‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها فاء وهي الحامل وتجمع خلفات وخلائف وزاد في رواية ابن ماجه في بطونها أولادها ‏(‏وذلك لتشديد العقل‏)‏ بفتح العين وسكون القاف أي الدية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏

938- باب مَا جَاءَ فِي الدّيَةِ كَم هِيَ مِنَ الدّرَاهِم

1386- حدثنا مُحمدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا مُعَاذُ بنُ هَانِيء‏.‏ حدثنا مُحمدُ بنُ مُسْلِمٍ الطّائِفِيّ عنْ عَمْروِ بنِ دِينَارٍ عنْ عِكْرَمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ جَعَلَ الدّيَةَ اثْنَى عَشَرَ ألفاً‏.‏

1387- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ الْمَخزُومِيّ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْروِ بنِ دِينَارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عنْ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏ وفِي حدِيثِ ابنِ عُيَيْنَةَ كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا، قال أبو عيسى‏:‏ ولا نعلم أحداً يذكر في هذا الحديث عن أبي عباس غير محمد بن مُسْلِمٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعضِ أهلِ الْعِلْمِ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَرَأَى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ الديَةَ عَشْرَةَ آلاَفٍ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ‏.‏ وقالَ الشّافِعيّ لاَ أعْرِفُ الدّيَةَ إلاّ مِنْ الإبِلِ وَهِيَ مائةٌ منَ الإبِلِ أو قيمتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه جعل الدية إثني عشر ألفاً‏)‏ أي من الدراهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي حديث ابن عيينة كلام أكثر من هذا‏)‏ روى أبو داود من سنته عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ قال الشوكاني في النيل اختلفوا في الفضة فذهب الهادي والمؤيد بالله إلى أنها عشرة آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قول له إلى أنها اثني عشر ألف درهم انتهى‏.‏ واستدل لما ذهب إليه أحمد وإسحاق وغيرهما بحديث الباب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ويعارض هذا الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار أو ثمانية آلاف درهم الحديث‏.‏ ولا يخفى أن حديث ابن عباس يعني حديث الباب فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها اثني عشر ألفاً وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في الأصول، وكثرة طرقه تشهد لصحته والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها انتهى ‏(‏ورأى بعض أهل العلم الدية عشرة آلاف‏)‏ أي من الدراهم ‏(‏وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ قال صاحب الهداية‏:‏ لنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم‏.‏ قال الحافظ في الدراية‏:‏ لم أجده وإنما أخرجه محمد بن الحسن في الآثار موقوفاً‏.‏ وكذلك ابن أبي شيبة والبيهقي ‏(‏وقال الشافعي لا أعرف الدية إلا من الإبل وهي مائة من الإبل‏)‏ استدل الشافعي بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفيه‏:‏ وإن في النفس الدية مائة من الإبل الحديث رواه النسائي‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ الاقتصار على هذا النوع من أنواع الدية يدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم قالا‏:‏ وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديراً شرعياً‏.‏ وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي في قول له‏:‏ بل هي من الإبل للنص ومن النقدين تقويماً إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح انتهى‏.‏

939- باب ما جَاءَ في المُوَضّحَة

‏(‏باب ما جاء في الموضحة‏)‏ بكسر الضاد المعجمة هي الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه

1388- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ‏.‏ حدثنا يزِيدُ بنُ زُرَيعٍ‏.‏ أخبرنا حُسَيْنٌ المُعَلّمُ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عن أبِيِهِ عنْ جَدّهِ انّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏في المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ أَنّ فِي المُوضحَةِ خَمْساً مِنَ الإبِلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال في المواضح‏)‏ بفتح أوله جمع موضحة ‏(‏خمس خمس‏)‏ أي في كل واحدة منها خمس من الإبل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الخمسة‏.‏ كذا في المنتقى وقال في النيل وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن الجارود وصححاه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق الخ‏)‏ وهو قول الحنفية‏.‏

940- باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الأصَابِع

1389- حدثنا أَبُو عَمّارٍ‏.‏ حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عنْ يزِيدَ بن عمرو النّحْوِيّ عنْ عِكرِمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فدِيَة أَصَابِعِ اليَدَيْنِ والرّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ لِكُلّ اصْبِع‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عنْ أبي مُوسَى وعَبْدِ الله بنِ عَمْرو‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ من هذا الوجه‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ والشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقَ‏.‏

1390- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ و مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالا‏.‏ حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عنْ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏هَذِهِ وَهَذِهِ سَواءٌ يَعْنِي الخِنْصَرَ والإبْهَامَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دية أصابع اليدين والرجلين سواء‏)‏ أي حتى الإبهام والخنصر وإن كانا مختلفين في المفاصل ‏(‏عشرة من الإبل لكل إصبع‏)‏ بكسر الهمزة والباء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي موسى وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، وقال ابن القطان في كتابه‏:‏ رجال إسناده كلهم ثقات قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الحق‏.‏ وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجعل في الخنصر ستاً من الإبل وفي البنصر تسعاً، وفي الوسطى عشراً، وفي السبابة اثنتي عشرة، وفي الإبهام ثلاث عشرة، ثم روى عنه الرجوع عن ذلك‏.‏ وروي عن مجاهد أنه قال‏:‏ في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي الوسطى عشر، وف التي تليها ثمان، وفي الخنصر سبع‏.‏ وهو مردود بأحاديث الباب قاله الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه وهذه سواء يعني‏)‏ أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه وهذه ‏(‏الخنصر والإبهام‏)‏ أي هما متساويان في الدية وإن كان الإبهام أقل مفصلاً من الخنصر إذ في كل إصبع عشر الدية، وهي عشر من الإبل في شرح السنة يجب في كل إصبع يقطعها عشر من الإبل، وإذا قطع أنملة من أنامله ففيها ثلث دية إصبع، إلا أنملة الإبهام فإن فيها نصف دية إصبع لأنه ليس فيها إلا انملتان، ولا فرق فيه بين أنامل اليد والرجل‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا مسلماً‏.‏

941- باب مَا جَاءَ في العَفْو

1391- حدثنا أحْمَدُ بنُ مُحمدٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ‏.‏ حدثنا يونُسُ بنُ أبي إسْحَاقَ‏.‏ حدثنا أبُو السّفَرِ‏:‏ قالَ دَقّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ سِنّ رَجُلٍ مِنَ الأنصَارِ فاسْتَعْدَى عَلَيْهِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ يَا أمير المؤمِنِينَ إنّ هَذَا دَقّ سِنّي فَقَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ إنّا سَنُرْضِيكَ وألَحّ الاَخَرُ عَلَى مُعَاوِيَةُ فَأَبرَمَهُ فلم يرضه، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ شَأْنَكَ بِصَاحِبِك وأبُو الدّرْداءِ جَالِسٌ عِنْدَهُ‏.‏ فقَالَ أبُو الدّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال سنعت أذناي ودعاه قلبي يقول ‏"‏مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيءٍ في جَسَدِهِ فَيَتَصَدّقُ بِهِ إلاّ رَفَعَهُ الله بِهِ دَرَجَةً وحَطّ عنْهُ بِهِ خَطِيئَةً‏"‏‏.‏ قَالَ الأنْصَارِيّ‏:‏ أأنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالَ سَمِعَتْهُ أُذُنايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي‏.‏ قالَ‏:‏ فإنّي أَذَرُها لَهُ‏.‏ قالَ مُعَاوِيَةُ لاَ جَرمَ لاَ أُخَيّبُكَ فَأَمَرَ لَهُ بمَالٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ولاَ أعْرِفُ لأبي السّفَرِ سَمَاعَاً مِنْ أبي الدّرْدَاءِ‏.‏ وأبُو السّفَرِ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ أحْمَدَ‏.‏ ويُقَالُ ابنُ محْمِدَ الثّوْرِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستعدى عليه معاوية‏)‏ أي استغاث معاوية على الرجل‏.‏ قال في القاموس‏:‏ استعداه استعانه واستنصره ‏(‏وألح‏)‏ من الإلحاح ‏(‏الاَخر‏)‏ أي الذي دق سنه ‏(‏فأبرمه‏)‏ من الإبرام، أي فأمله، قال في القاموس‏:‏ البرم السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم أمله فمل انتهى‏.‏ وقال في مجمع البحار‏:‏ برم به أي سئمه ومله ‏(‏ما من رجل يصاب بشيء في جسده‏)‏ من نحو قطع أو جرح ‏(‏فيتصدق به‏)‏ أي عفا عنه قال الطيبي‏:‏ مرتب على قوله يصاب ومخصص له لأنه يحتمل أن يكون سماوياً، وأن يكون من العباد فخص بالثاني لدلالة قوله فتصدق به وهو العفو عن الجاني‏.‏ وقال المناوي‏:‏ أي إذا جنى إنسان على آخر جناية فعفا عنه لوجه الله نال هذا الثواب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه الخ‏)‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ وروى ابن ماجه المرفوع منه عن أبي السفر أيضاً عن أبي الدرداء وإسناده حسن لولا الانقطاع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال ابن يحمد الثوري‏)‏ قال الحافظ سعيد بن يحمد بضم الياء التحتانية وكسر الميم وحكى الترمذي أنه قيل فيه أحمد أبو السفر بفتح المهملة والفاء الهذلي الثوري الكوفي ثقة من الثالثة انتهى‏.‏

942- باب مَا جَاءَ فيمن رُضِخَ رَأْسُهُ بِصَخْرَة

‏(‏باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة‏)‏ الرضخ الدق والكسر

1392- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ‏.‏ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ‏.‏ حدثنا هَمّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عنْ أَنَسٍ‏.‏ قالَ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ فَأَخَذَهَا يَهُودِي فَرَضَخَ رَأْسَهَا بحجر وَأَخَذَ مَا عَليْهَا مِنَ الحُلِيّ قالَ فَاّدرِكَتْ وَبِهَا رَمقٌ فأتى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ ‏"‏مَنْ قَتَلَكِ أَفُلاَنٌ‏؟‏ قالتْ بِرَأْسِهَا لاَ‏.‏ قَال فَفُلاَنٌ حَتّى سُمّى اليَهُودِي فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا أي نَعَمْ‏.‏ قَالَ فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ لاَ قَودَ إلاّ بِالسّيْفِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عليها أوضاح‏)‏ جمع وضح بفتحتين وهي نوع من الحلى من الفضة سميت بها لبياضها ‏(‏فأخذها‏)‏ أي الجارية ‏(‏فرضخ رأسها‏)‏ أي رض رأسها بين حجرين كما في رواية الشيخين ‏(‏أدركت‏)‏ بصيغة المجهول أي أدركها الناس ‏(‏وبها رمق‏)‏ بفتحتين أي بقية الروح وآخر النفس والجملة حالية قوله‏:‏ ‏(‏حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا‏)‏ أي على ما يدل عليه هذا الحديث من جواز القود بمثل ما قتل به المقتول ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا‏}‏ بمثل ما عوقبتم به وقوله تعالى ‏{‏فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏ وما أخرجه البيهقي والبزار من حديث البراء وفيه من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه‏.‏ قال البيهقي‏:‏ في إسناده بعض من يجهل، وإنما قاله زياد في خطبته‏.‏ وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز لمن قتل غيره بإيجاره الخمر أو اللواط به ‏(‏وقال بعض أهل العلم لا قود إلا بالسيف‏)‏ قال الشوكاني ذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلا أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف‏.‏ واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة منها، لا قود إلا بالسيف‏:‏ وأخرجه ابن ماجة أيضاً والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة‏.‏ وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة‏.‏ وأخرجه الدارقطني من حديث علي وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلاً‏.‏ وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم‏:‏ حديث منكر‏.‏ وقال عبد الحق وابن الجوزي‏:‏ طرقه كلها ضعيفة‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ لم يثبت له إسناد‏.‏ ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضاً حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‏"‏‏.‏ وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العتق بالسيف كما يحصل به‏.‏ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب العنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلاً يستحق القتل قال قائلهم‏:‏ يا رسول الله دعني أضرب عنقه، حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة‏.‏ وقد ثبت النهي عنها انتهى كلام الشوكاني‏.‏

943- باب مَا جَاءَ في تَشْدِيدِ قَتْلِ الْمُؤْمِن

1393- حدثنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ وَ مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزيِعٍ حدثنا ابنُ أَبي عَدِي عَنْ شُعَبَةَ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَزَوَالُ الدّنْيَا أهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ‏"‏‏.‏

1394- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حَدَثنَا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلىَ بنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ قال أبو عيسى وَهذَا أَصَحّ عَنْ حَدِيثِ ابنِ أبي عَدِي قال وفي البابِ عَنْ سَعْدٍ وابنِ عَبّاسٍ وَأبي سَعِيدٍ وَأبي هرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وابن مسعود وَبُرَيْدَةَ‏.‏ قال أبو عيسى حَدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ‏.‏ هَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أبِي عَدِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن جعفر وغير واحد عن شعبة عن يعلى ب عطاء فَلَمْ يَرْفَعْهُ وَهَكَذا رَوَى سُفْيَانُ الثوْرِيّ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ مَوْقوفاً وَهذَا أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لزوال الدنيا‏)‏ اللام للابتداء ‏(‏أهون‏)‏ أي أحقر وأسهل ‏(‏على الله‏)‏ أي عنده ‏(‏من قتل رجل مسلم‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر للدار الأخرى، وهي مزرعة لها، وما خلقت السموات والأرض إلا لتكون مسارح أنظار المتبصرين، ومتعبدات المطيعين، وإليه الاشارة بقوله تعالى ‏{‏ويتفكرون في خلق السماوات والأرض‏:‏ ربنا ما خلقت هذا باطلاً‏}‏ أي بغير حكمه بل خلقتها لأن تجعلها مساكن للمكلفين، وأدلة لهم على معرفتك‏.‏ فمن حاول قتل من خلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا‏.‏ وبهذا لمح ما ورد في الحديث الصحيح‏:‏ لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله‏.‏ قال القاري‏:‏ وإليه الايعاء بقوله تعالى ‏{‏من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً‏}‏ الاَية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعقبة بن عامر وبريدة‏)‏ أما حديث سعد فلينظر من أخرجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح كذا في الترغيب‏.‏ وأما حديث أبي سعيد وأبي هريرة فأخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب وأما حديث عقبة بن عامر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث بريدة فأخرجه النسائي والبيهقي‏.‏

944- باب الْحُكْمِ في الدّمَاء

1395- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حدّثنا وَهْبُ بنُ جُرَيْرٍ حدّثنَا شُعْبَةُ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ أوّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ العِبَادِ فِي الدّمَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ عَبْدِ الله حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الأعْمَشِ مَرْفُوعاً وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ الأعْمَشِ ولَمْ يَرْفَعُوهُ‏.‏

1396- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حَدّثنَا وَكيعٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أَبي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ أوّلَ مَا يُقْضَى بَيْنِ العِبَادِ في الدّمَاءِ‏"‏‏.‏

1397- حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ‏.‏ حدّثنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عَنْ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَنْ يَزِيدَ الرّقَاشِيّ‏.‏ حدثنا ابو الْحَكمِ البَجَلِيّ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَأبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَوْ أنّ أَهْلَ السّماءِ وَأهْلَ الأرْضِ اشْتَرَكُوا في دَمِ مُؤْمِنٍ لأكبّهُمْ الله فِي النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وأبو الحكم البجلي هو عبدالرحمن بن أبي نعم الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أول ما يحكم بين العباد‏)‏ أي يوم القيامة ‏(‏في الدماء‏)‏ خبر إن قال النووي‏:‏ هذا التعظيم أمر الدنيا وتأثير خطرها‏.‏ وليس هذا الحديث مخالفاً لقوله‏:‏ أول ما يحاسب به العبد صلاته‏.‏ لأن ذلك في حق لله وهذا فيما بين العباد‏.‏ قال في المرقاة‏:‏ والأظهر أن يقال لأن ذلك في المنهيات، وهذا في المأمورات، أو الأول في المحاسبة، والثاني في الحكم لما أخرج النسائي عن ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضي بين الناس في الدماء‏.‏ وفي الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ لو للمضي فإن أهل السماء فاعل والتقدير لو اشترك أهل السماء ‏(‏في دم مؤمن‏)‏ أي إراقته‏.‏ والمراد قتله بغير حق ‏(‏لأكبهم الله في النار‏)‏ أي صرعهم فيها وقلبهم قال الطيبي رحمه الله‏:‏ كبه بوجهه أي صرعه فأكب هو وهذا من النوادر أن يكون أفعل لازماً وفعل متعدياً قاله الجوهري‏.‏ وقال الزمخشري لا يكون بناء مطاوعاً لفعل بل همزة أكب للصيرورة أو للدخول، فمعناه صار ذا كب أو دخل في الكب ومطاوع فعل أنفعل نحو كب وانكب وقطع وانقطع‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ والصواب كبهم الله‏.‏ ولعل ما في الحديث سهو من بعض الرواة‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ فيه نظر لا يجوز أن يرد هذا على الأصل‏.‏ وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع ولأن الجوهري ناف والرواة مثبتون‏:‏ قال القاري فيه إن الجوهري ليس بناف للتعدية، بل مثبت للزوم ولا يلزم من ثبوت اللزوم نفي التعدية، هذا وقد أثبتها صاحب القاموس حيث قال‏:‏ كبه قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب وهو لازم متعد‏.‏

945- باب مَا جَاءَ فِي الرّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ يُقَادُ مِنْهُ أمْ لاَ‏؟‏

‏(‏باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه أيقاد منه أم لا‏)‏ قال في النهاية‏:‏ القود القصاص وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة واستقدت الحاكم سألته أن يقيدني واقتدت منه اقتاد

1398- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ‏.‏ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ حَدّثنَا المُثَنّى بنُ الصَبّاحِ عَنْ عَمروِ بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بنِ مَالِك بن جعش قَالَ حَضَرْتُ رسوُلَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الأبَ مِنْ ابْنِهِ ولاَ يُقِيدُ الابْنَ مِنْ أبِيهِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بنُ عَباس عَنِ المُثَنّى بنِ الصَبّاحِ وَالمُثَنّى بنُ الصّبّاحِ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَنْ الْحَجّاجِ بن أرطأة عَنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمروِ بنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلاً، وَهذا حديثٌ فِيهِ اضْطِرابٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ أنّ الأبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ‏.‏ وَإذَا قَذَفَ ابنه لاَ يُحَدّ‏.‏

1399- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ‏.‏ حَدّثَنَا أبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ الحَجّاجِ بنِ أرْطَاةَ عَنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ يُقَادُ الوَالِدُ بِالْوَلَد‏"‏‏.‏

1400- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشارِ‏.‏ حَدثَنا ابنُ أبي عَدِي عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرو بنِ دِينَارٍ عنْ طَاوسٍ عن ابن عبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تُقَامُ الْحَدُودُ فِي الْمسَاجِدِ وَلاَ يُقْتَلُ الوَالِدُ بِالْوَلَدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذا الإسْنَادِ مَرْفُوعاً إلا مِنْ حَدِيثِ إسْماعِيلَ بنِ مُسْلِمٍ وإسْماعِيلُ بنُ مُسلِمٍ الْمكّيّ قد تكَلّمَ فِيهِ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قبلِ حِفْظِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سراقة بن مالك‏)‏ أي ابن جعثم المدلجي الكنائي كان ينزل قديداً ويعد في أهل المدينة، روى عنه جماعة وكان شاعراً مجيداً مات سنة أربع وعشرين ذكره صاحب المشكاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يقيد الأب‏)‏ من الإقادة أي يقتص له ‏(‏من ابنه‏)‏ بكسر النون من للالتقاء أي لأجله وبسببه‏.‏ والجملة حال من المفعول قيل كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ ذكره ابن الملك ‏(‏ولا يقيد الابن‏)‏ بكسر اللام للالتقاء ‏(‏من أبيه‏)‏ قالوا الحكمة فيه أن الوالد سبب وجود الولد فلا يجوز أن يكون هو سبباً لعدمه‏.‏ كذا في اللمعات‏.‏ قال السيد في شرح الفرائض‏:‏ ولعل الابن كان مجنوناً أو صبياً كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه الخ‏)‏ قال في التلخيص‏:‏ إسناده ضعيف وفيه اضطراب واختلاف على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فقيل عن عمرو قيل عن سراقة قيل بلا واسطة وهي عند أحمد وفيها ابن لهيعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقام الحدود في المساجد‏)‏ صوناً لها وحفظاً لحرمتها فيكره ‏(‏ولا يقتل الوالد بالولد‏)‏ أي لا يقاد والد بقتل ولده لأنه السبب في إيجاده فلا يكون سبباً في إعدامه‏.‏ كذا في شرح الجامع الصغير للمناوي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه الخ‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ‏(‏وإسماعيل بن مسلم المكي تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه‏)‏ قال الحافظ لكن تابعه الحسن بن عبيد الله العنبري عن عمرو بن دينار قال البيهقي‏.‏ وقال عبد الحق‏:‏ هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شيء‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد، وبذلك أقول‏.‏ قال البيهقي‏:‏ طرق هذا الحديث منقطعة‏.‏ وأكده الشافعي بأن عدداً من أهل العلم يقولون به انتهى‏.‏

946- باب مَا جَاءَ لاَ يحِل دَمُ امرئ مُسْلِمٍ إلاّ بِإحْدَى ثَلاَث

1401- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حَدثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ عنْ عَبْدِ الله بن مُرّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَحِلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا الله وأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ‏:‏ الثّيّبُ الزّانِي والنّفْسُ بِالنّفْسِ والتّارِكُ لِدِيِنِه المُفَارِقُ للْجَمَاعَةِ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ عُثْمانَ وعَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل دم امرئ‏)‏ أي إراقته والمراد الإنسان فإن الحكم شامل للرجال والنساء ‏(‏مسلم‏)‏ صفة مقيدة لامرئ ‏(‏يشهد‏)‏ أي يعلم ويتيقن ويعتقد‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الظاهر أن يشهد حال جيء بها مقيدة للموصوف مع صفته، إشعاراً بأن الشهادتين هما العمدة في حقن الدم، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة‏.‏ كيف تصنع بلا إله إلا الله‏.‏ وقال القاضي‏:‏ يشهد مع ما هو متعلق به صفة ثانية جاءت للتوضيح والبيان ليعلم أن المراد بالمسلم هو الاَتي بالشهادتين، وأن الإيمان بهما كاف للعصمة‏.‏ ‏(‏إلا بإحدى ثلاث‏)‏ أي خصال ثلاث‏:‏ قتل نفس بغير حق وزنا المحصن والارتداد‏.‏ ففصل ذلك بتعداد المنصفين به المستوجبين القتل لأجله فقال ‏(‏الثيب الزاني‏)‏ أي زنا الثيب ‏(‏والنفس بالنفس‏)‏ أي قتل النفس بالنفس‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي يحل قتل النفس قصاصاً بالنفس التي قتلها عدواناً وهو مخصوص بولي الدم لا يحل قتله لأحد سواه حتى لو قتله غيره لزمه القصاص انتهى‏.‏ ‏(‏والتارك لدينه المفارق للجماعة‏)‏ أي ترك التارك والمفارق للجماعة صفة مولدة للتارك لدينه أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم، وانفرد عن أمرهم بالردة التي هي قطع الإسلام قولا أو فعلاً أو اعتقاداً فيجب قتله إن لم يتب، وتسميته مسلماً مجازياً باعتبار ما كان عليه لا بالبدعة أو نفي الإجماع كالروافض والخوارج فإنه لا يقتل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عثمان الخ‏)‏ لينظر من أخرج أحاديثهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

947- باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نفْساً مُعَاهَدَة

‏(‏باب ما جاء فيمن يقتل نفساً معاهداً‏)‏ بكسر الهاء من عاهد الامام على ترك الحرب ذمياً أو غيره، وروى بفتحها وهو من عاهده الامام‏.‏ قال القاضي يريد بالمعاهدة من كان له مع المسلمين عهد شرعي سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم

1402- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا مَعدِى بنُ سُلَيْمَانَ ‏(‏هو البصريّ‏)‏ عنْ ابنِ عجْلاَنَ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏ألاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِدَة لهُ ذمّةُ الله وذمّة رَسُولِهِ فَقَدْ خْفَرَ بِذِمّةِ الله فَلاَ يرَحْ رَائِحَةَ الجَنّةِ، وإنّ رِيحَهَا ليوجَدُ مِنْ مَسِيرةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أبي بَكْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا‏)‏ حرف التنبيه ‏(‏من قتل نفساً معاهدة‏)‏ أي رجلاً معاهداً ‏(‏له ذمة الله وذمة رسوله‏)‏ قال في المجمع‏:‏ الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق‏.‏ وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم انتهى‏.‏ ‏(‏فقد أخفر بذمة الله‏)‏ قال في المجتمع‏:‏ خفرته أجرته وحفظته والخفارة بالكسر والضم الذمام وأخفرته إذا انقضت عهده وذمامه وهمزته للسلب ‏(‏فلا يرح رائحة الجنة‏)‏ أي لم يشم ريحها يقال راح وراح يريح يراح وأراح يريح إذا وجد رائحة الشيء والثلاثة قد روي بها الحديث‏.‏ كذا في النهاية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ بفتح الراء والياء هو أجود وعليه الأكثر‏.‏ قال والمراد بهذا النفي وإن كان عاماً التخصيص بزمان ما لما تعاضدت الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلماً ولو كان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار، ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى‏.‏ ‏(‏وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفاً‏)‏ أي عاماً كما في رواية للبخاري‏.‏ والجملة حالية أي والحال أن ريح الجنة لتوجد‏.‏‏.‏‏.‏ قال السيوطي رحمه الله‏:‏ وفي رواية سبعين عاماً، وفي الأخرى مائة عام، وفي الفردوس ألف عام وجمع بأن ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعمال وتفاوت الدرجات فيدركها من شاء الله من مسيرة ألف عام، ومن شاء من مسيرة أربعين عاماً وما بين ذلك‏.‏ قاله ابن العربي وغيره ذكره القاري في المرقاة، وقال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد من الكل طول المسافة لا تحديدها انتهى‏.‏ قلت ذكر الحافظ هذه الروايات المختلفة وذكر أن في رواية الطبراني عن أبي بكرة خمس مائة عام ووقع في الموطأ في حديث آخر‏:‏ خمسمائة عام وهذا اختلاف شديد ثم ذكر وجه الجمع عن ابن بطال ولم يرض به لما فيه من التكلف، ثم قال‏:‏ والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة من في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة، والخمس مائة ثم الألف أكثر من ذلك، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال فمن أدركه من المسافة البعدي أفضل ممن أدركه من المسافة القربي وبين ذلك‏.‏ وقد أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ثم رأيت نحوه في كلام ابن العربي ونقل كلامهما، فإن شئت الوقوف عليه فارجع إلى الفتح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكرة‏)‏ أخرجه الطبراني وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن عمرو عند البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه‏.‏

948- باب

1403- حدثنا أبُو كرَيْبٍ‏.‏ حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عنْ أبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عنْ أبي سَعْدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَدَى العَامِرِيّينِ بدِيَةِ المُسْلِمينَ وكَانَ لَهُما عَهْدٌ منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُه إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وأبُو سَعْدٍ البَقّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ المرْزُبَانِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودي العامريين‏)‏ الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ‏(‏بدية المسلمين‏)‏ أي مثل دية المسلمين‏.‏ وأخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم‏.‏ وأخرج أيضاً من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم‏.‏

‏:‏ ‏(‏وكان لهما‏)‏ أي للعامريين ‏(‏عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ ولم يشعر به عمرو بن أمية ولذلك قتلهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي قال الشوكاني في النيل في إسناده أبو سعد البقال، واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه‏.‏ والراوي عنه أبو بكر بن عياش ‏(‏وأبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان‏)‏ العبسي مولاهم الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة‏.‏ قاله الحافظ‏.‏

949- باب مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَلِي القَتِيلِ فِي القصَاصِ والعَفْو

1404- حدثنا مَحمودُ بنُ غَيْلاَنَ و يَحْيَى بنُ مُوسَى قالا‏:‏ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ‏.‏ حدثنا الأوْزَاعِيّ‏.‏ حدثني يَحْيَى بنُ أبي كَثيرٍ حَدّثَنِي أَبُو سَلَمةَ قالَ‏:‏ حدّثَنِي أبُو هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ لَمّا فَتَحَ الله عَلَى رسُولِهِ مَكّةَ قامَ فِي النّاسِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قالَ‏:‏ ‏"‏ومَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَظَرَيْنِ إمّا أنْ يَعْفُوَ وإمّا أَنْ يَقْتُلَ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ وَائِلِ بنِ حُجْر وأنَسٍ وأبي شُرَيحٍ خُويَلِدِ بنِ عَمْروٍ‏.‏

1405- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏.‏ حدثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ حدّثَنيِ سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عنْ أبي شُرَيْحٍ الكَعْبيّ انّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أنّ الله حَرّمَ مَكّةَ ولَمْ يُحَرّمْهَا النّاسُ‏.‏ مَنْ كَانَ يُؤْمِن بالله واليَوْمِ الاَخِرِ فلاَ يَسْفِكَنّ فِيهَا دَمَاً ولاَ يَعْضدَنّ فِيهَا شَجَراً فَإِنْ تَرَخّصَ مُتَرَخّصٌ‏.‏ فقالَ أُحِلّتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الله أحَلّهَا لي ولَمْ يُحِلّهَا للنّاسِ وإنّمَا أُحِلّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمّ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمّ إنّكُمْ مَعْشَرَ خُزاعةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الرّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ وإنّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ اليَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ‏.‏ إمّا أَنْ يَقْتلُوا أَوْ يَأخُذُوا العَقْلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ‏.‏ وحدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ورَوَاهُ شَيْبَانُ أَيْضاً عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ مِثْلَ هَذَا ورُوِيَ عنْ أبي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيّ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَهُ أنْ يَقْتُلَ أوْ يَعْفُوَ أوَ يَأخُذَ الدّيَةَ‏"‏‏.‏ وذَهبَ إلَى هَذَا بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ‏.‏

1406- حدثنا أَبُو كُرَيبٍ‏.‏ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عنْ الأعْمَش عنْ أبِي صَالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قُتِلَ رَجُل على عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَدُفِعَ القَاتِلُ إلى وَلِيّهِ فَقالَ القَاتِلُ‏.‏ يَا رسولَ الله والله مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَمَا إنّهُ إنْ كانَ قوله صَادِقاً فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النّارَ‏"‏ فَخَلّى عَنْهُ الرّجُلُ قال‏:‏ وكانَ مَكْتُوفاً بنِسْعَةٍ قالَ فَخَرَجَ يَجُرّ نِسْعَتَهُ قَالَ فَكَانَ يُسَمّى ذَا النّسْعَةِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والنسعة حبْلٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن قتل له قتيل‏)‏ أي من قتل له قريب كان حياً فصار قتيلاً بذلك القتل ‏(‏فهو‏)‏ أي من قتل له قتيل يعني ولي المقتول ‏(‏بخير النظرين‏)‏ يعني القصاص والدية أيهما اختار كان له ‏(‏إما أن يعفو وإما أن يقتل‏)‏ في رواية البخاري إما أن يودي وإما يقاد‏:‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر لفظ الترمذي هذا‏:‏ المراد بالعفو أخذ الدية جمعاً بين الروايتين ويؤيده أن عنده في حديث أبي شريح‏:‏ فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين‏:‏ إما أن يقتلوا أو يأخذوا الدية‏.‏ ولأبي داود وابن ماجه‏.‏ وعلقه الترمذي من وجه آخر عن أبي شريح بلفظ‏:‏ فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه‏.‏ أي إن أراد زيادة على القصاص أو الدية‏.‏ قال‏:‏ وفي الحديث إن ولي الدم يخير بين القصاص والدية‏.‏ واختلف إذا اختار الدية، هل يجب على القاتل إجابته‏؟‏ فذهب الأكثر إلى ذلك‏.‏ وعن مالك‏:‏ لا يجب إلا برضا القاتل‏.‏ واستدل بقوله‏:‏ ومن قتل له‏.‏ بأن الحق يتعلق بورثة المقتول فلو كان بعضهم غائباً أو طفلاً لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل، ويقدم الغائب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن وائل بن حجر وأنس وأبي شريح خويلد بن خويلد بن عمرو‏)‏ وأما حديث وائل فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ وأما حديث أبي شريح خويلد وهو خزاعي كعبي فأخرجه الترمذي في هذا الباب وله حديث آخر عند الدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي شريح‏)‏ بالتصغير قال صاحب المشكاة هو أبو شريح خويلد بن عمرو الكعبي الخزاعي أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة سنة ثمان وستين وهو مشهور بكنيته ‏(‏إن الله حرم مكة‏)‏ أي جعلها محرمة معظمة وأهلها تبع لها في الحرمة ‏(‏ولم يحرمها الناس‏)‏ أي من عندهم فلا ينافي أنه حرمها ابراهيم بأمر الله تعالى ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر‏)‏ اكتفى بطرفي المؤمن به عن بقيته ‏(‏فلا يسفكن‏)‏ أي فلا يسكبن ‏(‏فيها دماً‏)‏ أي بالجرح والقتل‏.‏ قال القاري‏:‏ وهذا إذا كان دماً مهدراً وفق قواعدنا، وإلا فالدم المعصوم يستوي فيه الحرم وغيره في حرمة سفكه ‏(‏ولا يعضدن‏)‏ بكسر الضاد المعجمة أي ولا يقطع ‏(‏فيها شجراً‏)‏ وفي معناها النبات والحشيش ‏(‏فقال‏)‏ أي المترخص عطف على ترخيص ‏(‏فإن الله أحلها لي‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم‏.‏ وبه تم جواب المترخص ثم ابتدأ وعطف على الشرط فقال‏:‏ وإنما أحلت لي الخ ‏(‏ثم هي‏)‏ أي مكة ‏(‏ثم إنكم معشر خزاعة‏)‏ بضم أوله أي يا معشر خزاعة وكانت خزاعة قتلوا في تلك الأيام رجلاً من قبيلة بني هذيل بقتيل لهم في الجاهلية فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ديته لإطفاء الفتنة بين الفئتين ‏(‏من هذيل‏)‏ بالتصغير ‏(‏وإني عاقله‏)‏ أي مؤد ديته من العقل وهو الدية وقد تقدم وجه تسمية الدية بالعقل ‏(‏فمن قتل له‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏فأهله بين خيرتين‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وفتح التحتية أي اختيارين والمعنى مخير بين أمرين ‏(‏إما أن يقتلوا‏)‏ أي قاتله ‏(‏أو يأخذوا العقل‏)‏ أي الدية من عاقلة القاتل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أصل هذين الحديثين في الصحيحين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو ويأخذ الدية‏)‏ وفي بعض النسخ أو يأخذ الدية بلفظ أو مكان الواو وهو الظاهر‏.‏ روى الدارمي عن أبي شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من أصيب بدم أو خبل والخبل الجرح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ العقل‏.‏ الحديث‏.‏ ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه كما عرفت في كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتل رجل‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد أبو داود فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فدفع‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلى وليه‏)‏ أي ولي المقتول ‏(‏ما أردت قتله‏)‏ أي ما كان القتل عمداً ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏إنه‏)‏ أي القاتل ‏(‏إن كان صادقاً‏)‏ يفيد أن ما كان ظاهره العمد لا يسع فيه كلام القاتل إنه ليس بعمد في الحكم‏.‏ نعم ينبغي لولي المقتول أن لا يقتله خوفاً من لحوق الإثم به على تقدير صدق دعوى القاتل ‏(‏فخلاه‏)‏ أي ترك القاتل ‏(‏الرجل‏)‏ بالرفع أو ولي المقتول ‏(‏وكان‏)‏ أي القاتل ‏(‏مكتوفاً‏)‏ قال في النهاية‏:‏ المكتوف الذي شدت يداه من خلفه ‏(‏بنسعة‏)‏ بكسر نون فسكون مهملة فمهملة، قطعة جلد تجعل زماماً للبعير وغيره ‏(‏فخرج‏)‏ أي القاتل ‏(‏فنمى‏)‏ على صيغة المجهول أي القاتل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

950- باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنِ المُثْلَة

1407- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا عبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِي‏.‏ حدّثنا سُفْيَانُ عنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِيهِ قالَ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا بَعَثَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أوْصَاهُ فِي خَاصّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى الله ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمينَ خَيْراً فقَالَ‏:‏ اغْزُوا بِسْمِ الله وفِي سَبيلِ الله قَاتلُوا مَنْ كَفَرَ، اغْزُوا وَلا تَغُلّوا ولاَ تَغْدِرُوا ولاَ تَمثلُوا ولاَ تقتُلُوا وَلِيداً‏"‏‏.‏ وفِي الحَدِيث قِصّةٌ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عبد الله بنِ مَسْعُودٍ وشَدّادِ بنِ أَوْسٍ وعمران بن حصين وأنس وسَمُرةَ والمُغِيرَةِ ويَعْلَى بنِ مُرّةَ وأبِي أَيّوبَ‏.‏ قال أبو عيسى حدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وكَرِهَ أهْلُ الْعِلْمِ المُثْلَةَ‏.‏

1408- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا هُشَيْمٌ‏.‏ حدّثنا خَالِدٌ عنْ أبِي قِلاَبة عنْ أبِي الأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ عنْ شَدّادِ بنِ أَوْس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏إنّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُمْ فأَحْسِنُوا القِتْلَةَ وإذَا ذَبَحْتُمْ فأَحْسِنُوا الذّبْحَةَ وليُحِدّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ أبُو الأشْعَثِ اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بنِ أُدّةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوصاه في خاصة نفسه‏)‏ أي في حق نفسه خصوصاً وهو متعلق بقوله‏:‏ ‏(‏بتقوى الله‏)‏ وهو متعلق بأوصاه وقوله‏:‏ ‏(‏ومن معه‏)‏ معطوف على خاصته أي وفي من معه ‏(‏من المسلمين خيراً‏)‏ نصب على انتزاع الخافض أي بخير‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ومن في محل الجر وهو من باب العطف على عاملين مختلفين كأنه قيل أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه، وأوصى بخير في من معه من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه من المسلمين إشارة أن عليه أن يشد على نفسه فيما يأتي ويذر‏.‏ وأن يسهل على من معه من المسلمين ويرفق بهم كما ورد‏:‏ يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ‏(‏فقال أغزوا بسم الله‏)‏ أي مستعينين بذكره ‏(‏في سبيل الله‏)‏ أي لأجل مرضاته وإعلاء دينه ‏(‏قاتلوا من كفر بالله‏)‏ جملة موضحة لا غزواً ‏(‏اغزوا ولا تغلوا‏)‏ وفي المشكاة‏:‏ فلا تغلوا‏.‏ قال القاري‏:‏ أعاد قوله اغزوا ليعقبه بالمذكورات بعده انتهى‏.‏ وهو بضم الغين المعجمة وتشديد اللام أي لا تخونوا في الغنيمة‏.‏ ‏(‏ولا تغدروا‏)‏ بكسر الدال أي لا تنقضوا العهد‏.‏ وقيل لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الإسلام ‏(‏ولا تمثلوا‏)‏ بضم المثلثة، قال النووي في تهذيبه‏:‏ مثل به بمثل كقتل إذا قطع أطرافه‏.‏ وفي القاموس‏:‏ مثل بفلان مثلاً ومثله بالضم نكل كمثل تمثيلاً وقال الجزري في النهاية‏:‏ يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلاً إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه‏.‏ والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة انتهى‏.‏ ‏(‏ولا تقتلوا وليداً‏)‏ أي طفلاً صغيراً ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ رواها مسلم بطولها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي أيوب‏)‏ قال الشوكاني قد وردت في ذلك أحاديث كثيرة انتهى‏.‏ قلت ذكر بعضاً منها الطحاوي في شرح الآثار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث بريدة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكره أهل العلم المثلة‏)‏ أي حرموها فالمراد بالكراهة التحريم وقد عرفت في المقدمة أن السلف رحمهم الله يطلقون الكراهة ويريدون بها الحرمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن شداد‏)‏ بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المفتوحة ‏(‏بن أوس‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الواو ابن ثابت الأنصاري صحابي مات بالشام قبل الستين أو بعدها وهو ابن أخي حسان بن ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله كتب الإحسان على كل شيء‏)‏ أي إلى كل شيء أو على بمعنى في أي أمركم بالإحسان في كل شيء، والمراد منه العموم الشامل للإنسان حياً وميتاً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي أوجب مبالغة لأن الإحسان هنا مستحب وضمن الإحسان معنى التفضل وعداه بعلى‏.‏ والمراد بالتفضل إراحة الذبيحة بتحديد الشفرة وتعجيل إمرارها وغيره‏.‏ وقال الشمني على هنا بمعنى اللام متعلقة بالإحسان ولا بد من على أخرى محذوفة بمعنى الاستعلاء المجازي متعلقة بكتب، والتقدير كتب على الناس الإحسان لكل شيء ‏(‏فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‏)‏ وبكسر القاف الحالة التي عليها القاتل في قتله كالجلسة والركبة، والمراد بها المستحقة قصاصاً أو حداً، والإحسان فيها الاختيار أسهل الطرق وأقلها ألماً ‏(‏وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‏)‏ قال النووي يروى بفتح الذال وبغير هاء في أكثر النسخ يعني نسخ صحيح مسلم، وقي بعضها بكسر الذال وبالهاء كالقتلة ‏(‏وليحد‏)‏ بضم الياء وكسر الحاء وفتح الدال المشددة ويجوز كسرها ‏(‏أحدكم شفرته‏)‏ بفتح الشين أي سكينته ويستحب أن لا يحد بحضرة الذبيحة ولا يذبح واحدة بحضرة الأخرى ولا يجرها إلى مذبحها ‏(‏وليرح ذبيحته‏)‏ بضم الياء وكسر الراء أي ليتركها حتى تستريح وتبرد من قولهم أراح الرجل إذا رجعت إليه نفسه بعد الإحياء، والاسم الراحة وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في الذبح‏.‏ قال النووي‏:‏ الحديث عام في كل قتل من الذبائح والقتل قصاصاً وحداً ونحو ذلك‏.‏ وهذا الحديث من الجوامع انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ قال علماؤنا وكره السلخ قبل التبرد وكل تعذيب بلا فائدة لهذا الحديث‏.‏ ولما أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتريد أن تميتها موتتين هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو الأشعث اسمه شرحبيل بن أدة‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة والصواب شراحيل بن آدة‏.‏ قال الحافظ في التقريب شراحيل بن آدة بالمد وتخفيف الدال أبو الأشعث الصنعاني، ويقال آدة جد أبيه وهو ابن شراحيل بن كلب ثقة من الثانية شهد فتح دمشق انتهى‏.‏ وكذلك في تهذيب التهذيب والخلاصة‏.‏

951- باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الجَنين

‏(‏باب ما جاء في دية الجنين‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الجنين الولد في البطن والجمع أجنة ومنه قوله تعالى ‏{‏هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏}‏

1409- حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ الموفي‏.‏ حدثنا ابنُ أبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ بُغرّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقالَ الذِي قضَى عَليْهِ أيعْطِي مَنْ لاَ شَرِبَ ولاَ أَكَلَ ولاَ صَاحَ فاسْتَهَلّ فمِثْلُ ذَلِكَ بطلّ‏.‏ فقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ هَذَا ليَقُولُ بِقَوْلِ شاعِرِ بَلَى فِيهِ غُرّةٌ‏:‏ عَبْدُ أَوْ أَمَةٌ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عنْ حمل بنِ مَالِكِ بنِ النّابِغَةِ و المغيرة بن شعبة‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وقال بَعْضُهُمْ الغُرّةُ عَبْدٌ أَوْ أمَةٌ أوْ خَمْسُمَائَةِ دِرْهَمٍ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ أوْ فَرَسٌ أوْ بَغْلٌ‏.‏

1410- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدثنا وَهْبُ بنُ جَريرٍ‏.‏ حدثنا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بنِ نَضْيلَةَ عنْ المغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا ضَرّتَيْنِ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأخْرَى بحجرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطاطٍ فأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَقضَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ غُرّة عَبْد أَوْ أَمَة وجَعَلهُ عَلى عَصَبَةِ المَرْأَةِ‏.‏ قالَ الحَسَنُ أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابِ عنْ سُفْيَانَ عنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الحَدِيثِ نحوه وقال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنعطي‏)‏ من الإعطاء، وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك فقال الذي قضي عليه كيف أغرم من لا شرب ولا أكل الخ ‏(‏ولا صاح فاستهل‏)‏ وفي مرسل سعيد المذكور ولا نطق ولا استهل، واستهلال الصبي تصويته عند ولادته ‏(‏فمثل ذلك يطل‏)‏ بضم التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يبطل ويهدر من طل القتل يطل فهو مطلول، وروي بالباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض ‏(‏إن هذا ليقول بقول الشاعر‏)‏ وفي حديث مرسل سعيد المذكور‏:‏ إن هذا من إخوان الكهان‏.‏ وفي حديث المغيرة فقال‏:‏ سجع كسجع الأعراب وفي حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي‏:‏ أسجع الجاهلية وكهانتها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وإنما قال ذلك من أجل سجعه الذي سجع ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل، أما إذا وضع السجع في مواضعه من الكلام فلا ذم فيه، وكيف يذم وقد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً انتهى‏.‏ قال الحافظ بن حجر‏:‏ والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقاً لعظم بلاغته، وأما من بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جداً انتهى‏.‏ وقال الشوكاني‏:‏ وفي قوله في حديث ابن عباس أسجع الجاهلية وكهانتها دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان في ذلك القبيل الذي يراد به إبطال شرع، أو إثبات باطل أو كان متكلفاً‏.‏ وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غيره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن حميد بن مالك بن النابغة‏)‏ لم أقف على حديث حميد بن مالك بن النابغة نعم عند الطبراني وغيره في الباب حديث عن حمل بن مالك بن النابغة‏.‏ وقال الحافظ في ترجمته‏:‏ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الجنين وليس له عندهم غيره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم‏)‏ أي على ما يدل عليه أحاديث الباب وهو الصحيح المعمول عليه ‏(‏وقال بعضهم أو فرس أو بغل‏)‏ قال الحافظ ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل‏.‏ وكذا وقع عند عبد الرزاق في رواية ابن طاؤوس عن أبيه عن عمر مرسلاً فقال حمل بن النابغة‏:‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس‏.‏ وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم، وإن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة‏.‏ وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ‏:‏ فقضى أن في الجنين غرة قال طاوس‏:‏ الفرس الغرة قال الحافظ ونقل ابن المنذر وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا يجزئ كل ما وقع عليه اسم الغرة انتهى‏.‏

952- باب مَا جَاءَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِم بكَافِر

1411- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيع‏.‏ حدثنا هُشَيْمٌ‏.‏ أنبأنا مُطَرّفٌ عَنْ الشّعْبِيّ‏.‏ حدثنا أبُو جُحَيْفَةَ قالَ قُلْتُ لِعَلي يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله‏؟‏ قالَ والّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَبَرأَ النّسَمَةَ مَا عَلِمْتُهُ إلاّ فَهْماً يُعْطِيهُ الله رَجُلاً فِي القُرْآنِ ومَا فِي الصّحِيفةِ‏.‏ قُلْتُ وما فِي الصّحِيفَةِ‏؟‏ قالَ العَقْلُ وفِكَاكُ الأسِير وأنْ لاَ يُقتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرِ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَو‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ عَلِي حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلى هَذَا عِنْدَ بَعضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وهُوَ قوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ومَالِكٍ بنِ أَنسٍ والشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ قالُوا‏:‏ لاَ يُقتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعلْمِ‏:‏ يُقْتَلُ المُسْلِمُ بالمُعَاهَدِ‏.‏ والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

1412- حدثنا عِيَسى بنُ أَحْمَدَ‏.‏ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏"‏ وَبِهَذَا الإسْنَادِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏دِيَةُ عَقْلِ الكَافِرِ نِصْفُ دية عَقْلِ المُؤْمِنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ فِي هَذَا البَابِ حَدِيثٌ حسنٌ‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِي دِيَة اليَهُودِيّ والنّصْرَانِيّ فَذَهب بَعْضُ أهْلِ العِلْمِفي دية اليهودي والنصراني إلَى مَا رُوِيَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ‏:‏ دِيةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانيّ نِصْفُ دِيَةِ المُسْلِمِ‏.‏ وبِهَذَا يَقُولُ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ‏.‏ ورُوِيَ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَنّهُ قالَ‏:‏ دِيةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ درهم وَدِيَةُ المَجُوسِيّ ثَمَانمَائةٍ درهم‏"‏‏.‏ وبِهَذَا يَقُولُ مَالِك بن أنس والشّافِعيّ وَإسْحَاقُ‏.‏ وقالَ بعض أهْلُ الْعِلْمِ‏:‏ دِيّةُ اليَهُودِيّ والنّصْرَانِيّ مِثْلُ دِيَةِ المُسْلِمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مطرف‏)‏ بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة ابن طريف الكوفي ثقة فاضل من صغار السادسة ‏(‏حدثنا أبو جحيفة‏)‏ بضم الجيم وفتح المهملة وسكون تحتية بعدها فاء اسمه وهب بن عبد الله العامري نزل الكوفة وكان من صغار الصحابة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبلغ الحلم ولكنه سمع منه وروى عنه مات بالكوفة سنة أربع وسبعين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هل عندكم سوداء في بيضاء‏؟‏‏)‏ المراد به شيء مكتوب‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ هل عندكم شيء من الوحي‏؟‏ وضمير الجمع للتعظيم‏.‏ أو أراد جميع أهل البيت وهو رئيسهم ففيه تغليب، وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة يزعمون يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها‏.‏ وقد سأل عليا عن هذه المسألة أيضاً قيس بن عبادة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي ‏(‏والذي فلق الحبة‏)‏ أي شقها فأخرج منها النبات والغصن ‏(‏وبرأ النسمة‏)‏ بفتحتين أي خلقها والنسمة النفس وكل دابة فيها روح نهي نسمة ‏(‏ما علمته إلا فهما يعطيه الله رجلاً في القرآن‏)‏ وفي رواية البخاري في كتاب العلم قال لا‏.‏ إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة‏.‏ ‏(‏وما في الصحيفة‏)‏ عطف على فهما وفي رواية‏:‏ وما في هذه الصحيفة‏.‏ والمراد بالصحيفة الورقة المكتوبة قال القاضي‏:‏ إنما سأله ذلك لأن الشيعة كانوا يزعمون فذكر كما نقلنا عن الحافظ ثم قال‏:‏ أو لأنه كان يرى منه علماً وتحقيقاً لا يجده في زمانه عند غيره، فحلف أنه ليس شيء من ذلك سوى القرآن، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوماً دون قوم‏.‏ وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم استعداد الاستنباط‏.‏ فمن رزق فهما وإدراكاً ووفق للتأمل في آياته والتدبر في معانيه فتح عليه أبواب العلوم، واستثنى ما في الصحيفة احتياط الاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره فيكون منفرداً بالعلم ‏(‏قال قلت وما في الصحيفة‏)‏ وفي رواية‏:‏ وما في هذه الصحيفة ‏(‏قال فيها العقل‏)‏ أي الدية وأحكامها يعني فيها ذكر ما يجب لدية النفس والأعضاء من الإبل وذكر أسنان تؤدي فيها وعددها‏.‏ ‏(‏وفكاك الأسير‏)‏ بفتح الفاء ويجوز كسرها أي فيها حكم تخليصه والترغيب فيه، وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به ‏(‏وأن لا يقتل مؤمن بكافر‏)‏ قال القاضي هذا عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصاً سواء الحربي والذمي‏.‏ وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت، وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏ وقيل‏:‏ يقتل بالذمي والحديث مخصوص بغيره وهو قول النخعي والشعبي وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة لما روى عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏فقال أنا أحق من أوفي بذمته‏"‏ ثم أمر به فقتل‏.‏ وأجيب عنه بأنه منقطع لا احتجاج به ثم إنه أخطأ إذ قيل أن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري‏.‏ وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين ومتروك بالإجماع، لأنه روى أن الكافر كان رسولاً فيكون مستأمناً، والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقاً وإن صح فهو منسوخ لأنه روي عنه أنه كان قبل الفتح‏.‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت‏:‏ ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر‏.‏ وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده‏"‏ رواه أحمد وأبو داود كذا في المنتقى‏.‏ والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في التلخيص والنيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي وأبو داود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ يدل عليه حديث الباب وهو صحيح صريح في أنه لا يقتل مسلم بكافر ولفظ الكافر صادق‏.‏ على الذمي كما هو صادق على الحربي وكذا يدل على القول الأول أحاديث أخرى‏.‏ وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاربه ثم ألحقه كتاباً‏.‏ فقال لا تقتلوه ولكن اعتقلوه‏.‏ وأما القول الثاني أعني أن المسلم يقتل بالذمي، فليس دليل صريح يدل عليه‏.‏ ومن جملة ما استدل به أهل القول الثاني من الحنفية وغيرهم ما روى عبد الرحمن البيلماني‏.‏ وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج، ومن جملته حديث‏:‏ لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده‏.‏ قالوا أن قوله ولا ذو عهد معطوف على قوله مسلم فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه‏.‏

والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط، بدليل جعله مقابلاً للمعاهد لأن المعاهند يقتل بمن كان معاهداً مثله من الذميين إجماعهاً فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه الحربي كما قيد في المعطوف، لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقاً فيكون التقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي، وهذا يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي‏.‏ ويجاب بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول‏.‏ ومن جملة القائلين بعدم العمل به الحنفية فكيف يصح احتجاجهم به‏.‏ على أنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم يقدم المنطوق، وقد أجيب عن استدلالهم هذا بأجوبة أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وكذا الشوكاني في النيل‏:‏ وقد بسط الحافظ الكلام في الجواب عن متمسكاتهم الأخرى فعليك أن تراجع الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن وهب‏)‏ الظاهر أنه عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه ثقة حافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال لا يقتل مسلم بكافر‏)‏ حربياً كان أو ذمياً وهو مذهب الجمهور وهو الأصح كما عرفت‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وبهذا الإسناد‏)‏ أي الذي ذكره الترمذي بقوله حدثنا عيسى بن أحمد الخ‏.‏ ‏(‏دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن‏)‏ وفي رواية غير الترمذي عقل الكافر بحذف لفظ الدية وهو الظاهر فإن العقل هو الدية وفي لفظ قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصاري‏.‏ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏ وفي رواية كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف من دية المسلم‏.‏ قال وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيباً فقال إن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً الحديث، وفيه ترك أهل الذمة لم يرفعها فيها فيما رفع من الدية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن الجارود قوله‏:‏ ‏(‏وبهذا يقول أحمد بن حنبل‏)‏ وحجته أحاديث الباب ‏(‏وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف‏)‏ أي من الدراهم ‏(‏ودية المجوسي ثمان مائة‏)‏ أي من الدراهم‏.‏ أخرج أثر عمر رضي الله عنه وهذا الشافعي والدارقطني عن سعيد بن المسيب قال كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمان مائة كذا في المنتقى، قال في النيل‏:‏ وأثر عمر أخرجه أيضاً البيهقي، وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ دية المجوسي ثمان مائة درهم‏.‏ وأخرجه أيضاً الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة‏.‏ وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه أنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم، وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وأخرج البيهقي أيضاً عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضاً ابن لهيعة وروى نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة ‏(‏وبهذا يقول مالك والشافعي وإسحاق‏)‏ واستدلوا بأثر عمر المذكور وبما ذكرنا ‏(‏وقال بعض أهل العلم دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول الحنفية، واستدلوا بعموم قوله تعالى ‏{‏وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله‏}‏ قالوا إطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم‏.‏ ويجاب عنه أولاً بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة المعاهدين، وثانياً بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب، وقد استدلوا بأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للاحتجاج ذكرها الشوكاني في النيل وبين عللها ثم قال‏:‏ ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولاً وهذه فعلاً والقول أرجح من الفعل انتهى‏.‏

953- باب ما جَاءَ فِي الرّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَه

1413- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ الحَسَنِ، عنْ سَمُرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ ومَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏ وقَدْ ذَهَبَ بعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنَ التّابِعِينَ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ النّخَعِيّ إلَى هَذَا‏:‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ الحَسَنُ البَصْرِيّ وَعَطَاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ‏:‏ لَيْسَ بَيْنَ الحُرّ وَالعَبْدِ قِصَاصٌ فِي النّفْسِ وَلاَ فِي مَا دُونَ النّفْسِ‏.‏ وهُو قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ وإذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ قُتِلَ بهِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وأهل الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قتل عبده قتلناه‏)‏ فيه دليل لمن قال إن من قتل عبده يقتل ‏(‏ومن جدع عبده جدعناه‏)‏ أي من قطع أطراف عبده قطعنا أطرافه قال في شرح السنة‏:‏ ذهب عامة أهل العلم إلى أن طرف الحر لا يقطع بطرف العبد فثبت بهذا الانفاق أن الحديث محمول على الزجر والردع أو هو منسوخ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وفي رواية لأبي داود والنسائي‏:‏ ومن خصى عبده خصيناه‏.‏ اعلم أنه قد وقع في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا حسن غريب‏.‏ وكذا وقع في المنتقى، قال الشوكاني في النيل‏:‏ قال الحافظ في بلوغ المرام إن الترمذي صححه، والصواب ما قاله المصنف يعني صاحب المنتقى فإنا لم تجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قاله المصنف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد ذهب بعض أهل العلم من التابعين منهم إبراهيم النخعي إلى هذا‏)‏‏.‏ قال في النيل حكى صاحب البحر الإجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده إلا عن النخعي قال صاحب المنتقي‏:‏ قال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن عن سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده‏.‏ وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعاً ‏(‏وقال بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح‏:‏ ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الترمذي هذا‏:‏ وحكاه صاحب الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وعكرمة ومالك والشافعي انتهى‏.‏

954- باب مَا جَاءَ في المرْأَةِ هل تَرِثُ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا

1414- حدثنا قُتَيْبَةُ و أحمد بن منيع و أبُو عَمّارٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا‏:‏ حدثنا سُفيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المسَيّبِ أنّ عُمرَ كانَ يَقُولُ‏:‏ الدّيَةُ عَلَى العَاقِلَةِ ولاَ تَرِثُ المرْأةُ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا شَيْئاً‏.‏ حَتّى أَخْبَرَهُ الضّحّاكُ بنُ سُفيَانَ الكلابي أنّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ ‏"‏وَرّثْ امْرَأَةَ أشْيمَ الضبَابِيّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الدية على العاقلة‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ قد تكرر في الحديث ذكر العقل والعقول والعاقلة‏.‏ أما العقل فهو الدية وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدها في عقلها ليسلها إليهم ويقبضوها منه فسميت الدية عقلاً بالمصدر، يقال عقل البعير يعقله عقلاً وجمعها عقول، وكان أصل الدية الإبل ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم وغيرها‏.‏ والعاقلة هي العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة وأصلها اسم فاعلة من العقل وهي من الصفات الغالبة انتهى‏.‏ ‏(‏حتى أخبره‏)‏ أي عمر رضي الله عنه ‏(‏الضحاك‏)‏ بتشديد الحاء المهملة ‏(‏ابن سفيان الكلابي‏)‏ بكسر الكاف صحابي معروف كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات قال صاحب المشكاة‏:‏ يقال إنه كان بشجاعته يعد بمائة فارس وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف ‏(‏أن‏)‏ مصدرية أو تفسيرية فإن الكتابة فيها معنى القول ‏(‏ورث‏)‏ أمر من التوريث أي إعطاء الميراث ‏(‏امرأة أشيم‏)‏ بفتح الهمزة فسكون شين معجمة بعدها تحتية مفتوحة وكان قتل خطأ فإن الحديث رواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ ‏(‏الضبابي‏)‏ بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى منسوب إلى ضباب قلعة بالكوفة، وهو صحابي ذكره ابن عبد البر وغيره في الصحابة ‏(‏من دية زوجها‏)‏ زاد في رواية أبي داود، فرجع عمر أي عن قوله لا ترث المرأة من دية زوجها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ فيه دليل على أن الدية تجب للمقتول، أولاً ثم تنتقل منه إلى ورثته كسائر أملاكه‏.‏ وهذا قول أكثر أهل العلم وروي عن علي كرم الله وجهه أنه كان لا يورث الإخوة من الأم، ولا الزوج، ولا المرأة من الدية شيئاً‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ وإنما كان عمر يذهب في قوله الأول إلى ظاهر القياس، وذلك أن المقتول لا تجب ديته إلا بعد موته‏.‏ وإذا مات بطل ملكه فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة انتهى‏.‏ قلت ما ذهب إليه أكثر أهل العلم هو الحق يدل عليه حديث الباب‏.‏ وفي الباب حديثان آخران ذكرهما صاحب المنتقى في كتاب الفرائض‏.‏

955- باب مَا جَاءَ فِي القِصَاص

‏(‏باب ما جاء في القصاص‏)‏ بكسر القاف مصدر من المقاصة وهي المماثلة أو فعال من قص الأثر أي تبعه والولي يتبع القاتل في فعله وفي المغرب‏:‏ القصاص هو مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة كذا في المرقاة

1415- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ‏.‏ أنبأنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ زُرَارَةَ بنَ أَوْفَى يُحَدّثُ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّ رَجُلاً عَضّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ فَوَقَعَتْ ثَنيّتَاهُ فَاخْتَصَمَوا إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ ‏"‏يَعَضّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضّ الفَحْلُ لا دِيَةَ لَكَ‏"‏ فَأَنْزَلَ الله ‏{‏والجروحَ قِصَاصْ‏}‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ يَعْلَى بنِ أُمَيّةَ وسَلَمةَ بنِ أُمَيّةَ وَهُمَا أَخَوَانِ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً عض يد رجل‏)‏ العض أخذ الشيء بالسن، وفي الصراح العض كزيدن من سمع يسمع وضرب يضرب ‏(‏فنزع‏)‏ أي المعضوض ‏(‏يده‏)‏ أي من في العاض ‏(‏فوقعت‏)‏ أي سقطت ‏(‏ثنيتاه‏)‏ أي ثنيتا العاض والثنيتان السنان المتقدمتان والجمع الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان تحت ‏(‏فاختصموا‏)‏ وفي بعض النسخ فاختصما ‏(‏فقال يعض أحدكم‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري ‏(‏كما يعض الفحل‏)‏ بفتح الفاء وسكون الحاء أي الذكر من الإبل ‏(‏لا دية لك‏)‏ فيه دليل على أن الجنابة إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش فانزل الله تعالى ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة‏.‏ كذا في تفسير الجلالين وهذه الجملة أعني فأنزل الله تعالى ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ لم أجدها في غير رواية الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن يعلى بن أمية‏)‏ أخرجه الجماعة إلا الترمذي كذا في المنتقى ‏(‏وسلمة بن أمية‏)‏ أخرجه النسائي وابن ماجه ‏(‏وهما أخوان‏)‏ في التقريب سلمة بن أمية التميمي الكوفي أخو يعلى بن أمية صحابي له حديث واحد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وهو الذي أشار إليه الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

956- باب مَا جَاءَ في الْحَبسِ في التّهْمَة

1416- حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ‏.‏ حدثنا ابنُ المُبَارَكِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلاً في تُهْمَةٍ ثُمّ خَلّى عَنْهُ‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ بَهْزٍ عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ حدِيثٌ حسنٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ، عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ هَذَا الحَدِيثَ أَتَمّ مِنْ هَذَا وأطْوَلَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بهز بن حكيم‏)‏ بن معاوية القشيري صدوق من السادسة ‏(‏عن جده‏)‏ هو معاوية بن حيدة القشيري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حبس رجلاً في تهمة‏)‏ أي في أداء شهادة بأن كذب فيها أو بأن ادعى عليه رجل ذنباً أو ديناً فحبسه صلى الله عليه وسلم ليعلم صدق الدعوى بالبينة ثم لما لم يقم البينة خلى عنه ‏(‏ثم خلى عنه‏)‏ أي تركه عن الحبس بأن أخرجه منه والمعنى خلى سبيله عنه وهذا يدل على أن الحبس من أحكام الشرع‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وقال في اللمعات‏:‏ فيه أن حبس المدعى عليه مشروع قبل أن تقام البينة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏حديث بهز بن حكم عن أبيه عن جده حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏ قال المنذري‏:‏ وجد بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري وله صحبة‏.‏ وفي الاحتجاج بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده اختلاف انتهى‏.‏ قلت‏:‏ سئل يحيى بن معين عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة قاله الحافظ في أسد الغابة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ وقال ابن حبان كان يخطئ كثيراً فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به وتركه جماعة من أئمتنا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو ابن علية ‏(‏عن بهز بن حكيم هذا الحديث أتم من هذا وأطول‏)‏ رواه الإمام أحمد في مسنده عن إسماعيل بن علية أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أباه أو عمه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏جيراني بم أخذوا‏"‏‏.‏ فأعرض عنه ثم قال‏:‏ ‏"‏أخبرني ثم بم أخذوا‏"‏‏.‏ فاعرض عنه‏.‏ فقال‏:‏ لئن قلت ذاك إنهم ليزعمون أنك تنهي عن الغي وتستخلي به‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما قال‏"‏‏؟‏ فقام أخوه، أو ابن أخيه، فقال‏:‏ يا رسول الله إنه قال‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏لقد قلتموها أو فائلكم ولئن كنت أفعل ذلك إنه لعلى وما هو عليكم، خلوا له عن جيرانه‏"‏‏.‏ وأخرجه من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناساً من قومي في تهمة فحبسهم، فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال‏:‏ يا محمد علام تحبس جيراني‏؟‏ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم عنه‏.‏ فقال إن ناساً ليقولون إنك تنهى عن الشر وتستخلي به‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ما يقول‏"‏‏:‏ قال فجعلت أعرض بينهما باللام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبداً‏.‏ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها‏.‏ فقال قد قالوها أو قائلها منهم، والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم خلواً له عن جيرانه انتهى‏.‏

957- باب ما جَاءَ فيمن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد

1417- حدثنا سَلَمةُ بنُ شَبِيبٍ، وَحَاتِمُ بنُ سِيَاهٍ المَرْوَزِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ قالُوا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ الزّهْرِيّ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَوْفٍ، عنْ عَبْدِ الرْحمَنِ بنِ عَمْروِ بنِ سَهْلٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْروِ بنِ نُفَيْلٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏"‏ ومن سرق من الأرحم شبراً طوق يوم القيامة من سبع أرضية وزاد حاتم بن سيان المروزي في هذا الحديث قال معمر بلغني عن الزهري ولم أسمع من زاد في هذا الحديث‏:‏ من قتل، ون ماله فهو شيهد‏.‏ وهكذا روى شعيب بن أبي حمزة هذا الحديث عن الزهري عن طلحة بن عبدالله عن عبدالرحمن بن عمرو بن سهل عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى سفيان بن عينية عن الزهري عن طلحة بن عبدالله عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه سفيان عن عبدالرحمن بن عمرو بن سهل‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1418- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا أَبُو عَامِرِ العَقَدِيّ‏.‏ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ المُطّلبِ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ، عنْ إبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدِ بنِ طَلْحَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قُتلِ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏"‏ قال وفي البابِ عنْ عَلِي وَسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ، وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ وجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ دحدِيثٌ حسنٌ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏ وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ لِلرّجُلِ أنْ يُقَاتِلَ عنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ‏.‏ وقالَ ابنُ المُبَارَكِ يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ ولَوْ دِرْهَمَيْنِ‏.‏

1419- حدثنا هَارُونَ بنُ إسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ قال حدثنا مَحَمّدُ بنُ عَبْدِ الوَهّابِ، عنْ الكوفي شيخ ثقة عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ عن عليّ بن أبي طالب حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُحمدِ بنِ طَلْحَةَ‏.‏ قالَ سُفْيَانُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ عَبْد الله بنَ عَمْروٍ‏.‏ يقول‏:‏ قالَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أُرِيدَ مَالُه بِغَيْرِ حَق فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1420- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي‏.‏ حدّثنا سُفْيَانُ عنْ عَبْدِ الله بنِ الحَسَنِ عنْ إبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدِ بنِ طَلْحَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ‏.‏

1421- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قال‏:‏ أخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ‏.‏ حدّثني أبي عنْ أبِيهِ، عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَمّارٍ بنِ يَاسِرٍ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏.‏ ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَينهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏.‏ ومَنْ قُتِلَ دُونَ دمهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏"‏‏.‏ ومن قتل دون أهله فهو شيهد قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ نحْوَ هَذَا، وَيَعْقُوبُ هُوَ ابنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ بنِ إبراهيم بن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزّهْرِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحاتم بن سياه‏)‏ بكسر السين المهملة بعدها تحتانية وآخرها هاء منونة مقبول من الحادية عشرة قاله الحافظ ‏(‏عن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل‏)‏ الأنصاري المدني ثقة من الثالثة ‏(‏عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‏)‏ العدوي أحد العشرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من قتل دون ماله‏)‏ أي عند الدفع عن ماله ‏(‏فهو شهيد‏)‏ أي في حكم الاَخرة لا في حكم الدنيا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن المطلب‏)‏ بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو طالب المدني صدوق من السابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وسعيد بن زيد وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وجابر‏)‏ أما حديث علي فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب من طريقين‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأحمد عنه قال‏:‏ جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن جاء رجل يريد أخذ مالي‏.‏ قال‏:‏ فلا تعطه مالك‏.‏ قال‏:‏ أرأيت إن قاتلني‏؟‏ قال‏:‏ قاتله‏.‏ قال‏:‏ أرأيت إن قتلني‏.‏ قال فأنت شهيد‏.‏ قال‏:‏ أرأيت إن قتلته قال هو في النار‏.‏ وفي لفظ أحمد‏:‏ يا رسول الله أرأيت إن عدى على مالي‏؟‏ قال‏:‏ أنشد الله‏.‏ قال‏:‏ فإن أبوا علي قال‏:‏ أنشد الله‏.‏ قال‏:‏ فإن أبوا علي‏.‏ قال قاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار‏.‏ وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فأخرجه البيهقي وقد أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من رواية قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ‏:‏ ولا قصاص ولا دية‏.‏ وفي رواية للبيهقي من حديث ابن عمر‏:‏ ما كان عليك فيه شيء‏.‏ كذا في النيل‏.‏ وأما حديث ابن عباس وجابر فلينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ اعلم أن الحافظ قد تعقب في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه‏.‏ وقال إنه من أفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر‏.‏ فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلماً أخرج هذا الحديث من طريق ابن عمرو وذكر القصة‏.‏ قاله الشوكاني في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم الخ‏)‏ وهو الحق لأحاديث الباب‏.‏ ‏(‏قال ابن المبارك يقاتل عن ماله ولو درهمين‏)‏ أي ولو كان درهمين لإطلاق الأحاديث‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وأحاديث الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق، وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي، والحافظ في الفتح‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ إن المقاتلة واجبة‏.‏ وقال بعض المالكية‏:‏ لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف‏.‏ ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة، والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه‏.‏ وأما القائل بعدم الجواز في الشيء الخفيف فعموم أحاديث الباب ترد عليه، ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه‏.‏ ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل‏.‏ وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال‏:‏ من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة‏.‏ قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلماً بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للاَثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى‏.‏ ويدل على عدم لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة المذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة‏.‏ وحمل الأوزاعي أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها إمام‏.‏ وأما حالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغى على نفسه وماله ولا يقاتل أحداً‏.‏ قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني الحديث الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏وأثنى‏)‏ أي عبد الله بن الحسن ‏(‏عليه‏)‏ أي على إبراهيم بن محمد بن طلحة قوله‏:‏ ‏(‏من أريد ماله‏)‏ بالرفع أي الإنسان الذي أراد إنسان آخر أن يأخذ ماله‏.‏ ‏(‏بغير حق‏)‏ أي ظلماً ‏(‏فقاتل‏)‏ أي ذلك الإنسان الذي هو مالك المال دون ماله ‏(‏فقتل‏)‏ بصيغة المجهول أي مالك المال ‏(‏فهو‏)‏ أي مالك المال المقتول ‏(‏شهيد‏)‏ أي في حكم الاَخرة قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ تقدم تخريجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏)‏ المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سعد بن إبراهيم الزهري البغدادي ثقة ولي قضاء واسط وغيرها من التاسعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من قتل دون ماله‏)‏ أي عند دفعه من يريد أخذ ماله ظلماً، ‏(‏ومن قتل دون دمه‏)‏ أي في الدفع عن نفسه ‏(‏ومن قتل دون دينه‏)‏ أي في نصرة دين الله والذب عنه ‏(‏ومن قتل دون أهله‏)‏ أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته ‏(‏فهو شهيد‏)‏ لأن المؤمن محترم ذاتاً ودماً وأهلاً ومالاً فإذا أريد منه شيء من ذلك جاز له الدفع عنه فإذا قتل بسببه فهو شهيد قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

958- باب مَا جَاءَ في القَسَامَة

‏(‏باب ما جاء في القسامة‏)‏ بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الأيمان واشتقاق القسامة من القسم كالجماعة من الجمع، وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس‏.‏ وقال في الضياء إنها الأيمان وقال في المحكم إنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان قاله في النيل‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ وسبب القسامة وجود القتل في المحلة أو ما يقوم مقامها، وركنها قولهم‏:‏ بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً‏.‏ وشرطها أن يكون المقسم رجلاً حراً عاقلاً‏.‏ وقال مالك يدخل النساء في قسامة الخطأ دون العمد، وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف سواء كانت الدعوى في القتل العمد أو الخطأ في شرح السنة صورة قتيل القسامة أن يوجد قتيل وادعى وليه على رجل أو على جماعة قتله وكان عليهم لوث ظاهر وهو ما يغلب على الظن صدق المدعي‏.‏ كأن وجد في محلتهم وكان بين القتيل وبينهم عداوة انتهى ما في المرقاة

1422- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا اللّيْثُ بن سعد، عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيد، عنْ بَشِيرِ بنِ يَسَارٍ، عنْ سَهْلِ بنِ أبي حَثمةَ قالَ يَحْيَى وحَسِبْتُ، عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ أَنّهُمَا قالاَ‏:‏ خَرَجَ عَبْدُ الله بنُ سَهْلٍ بنِ زَيْدٍ ومُحَيّصَةُ بنُ مَسْعُود بن زَيْد حَتّى إذَا كانَ بِخَيْبَرٍ تَفَرّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَاك ثمّ إنّ مُحَيّصَةَ وجَدَ عَبْدَ الله بنَ سَهْلٍ قَتِيلاً قَدْ قُتِلَ مؤمنة ثم أَقْبَلَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ وحُوَيّصَةُ بنُ مَسْعُودٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَهْلٍ وكَانَ أصْغَرَ القَوْمِ ذَهَبَ عَبْدُ الرّحمَنِ لِيَتَكَلّمَ قَبْلَ صَاحِبِيهِ‏.‏ قالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَبّرْ لْلِكُبْرِ‏"‏ فَصَمَتَ وتَكَلّمَ صَاحِبَاهُ، ثُمّ تَكَلّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقْتَلَ عَبْدِ الله بنِ سَهْلٍ فقَالَ لَهُمُ‏:‏ ‏"‏أتحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَميناً فَتَسْتَحِقّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ‏؟‏‏"‏ قالُوا كَيْفَ ونَحْلِفُ ولَمْ نَشْهَدْ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏فَتُبَرّئِكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً‏؟‏‏"‏ قالُوا وكَيْفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفّارٍ‏؟‏ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعْطَى عَقْلَهُ‏.‏

1423- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدّثنا يزِيدُ بنُ هَارُونَ‏.‏ أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، عنْ سَهْلِ بنِ أبي حَثمةَ وَ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِنْدَ أَهْلِ العِلمِ في القَسَامَةِ‏.‏ وقَدْ رَأى بَعْضُ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ القَوَدَ بالقَسَامَةِ‏.‏ وقَالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ وغَيْرِهِمْ‏.‏ إنّ القَسَامَةَ لاَ تُوجِبُ القَودَ وإنّما تُوجِبُ الدّيَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بشير‏)‏ بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغراً الحارثي المدني ثقة فقيه من الثالثة ‏(‏قال قال يحيى وحسبت عن رافع بن خديج‏)‏ كذا في نسخ الترمذي والظاهر أن يكون وعن رافع بن خديج بالواو قبل عن وكذلك وقع عند مسلم‏.‏ قال الحافظ في الفتح وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل قال يحيى‏:‏ وحسبت أنه قال ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل الخ‏.‏ وقال وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أنهما حدثاه أن عبد الله بن سهل الخ ‏(‏أنهما‏)‏ أي سهلاً ورافعاً ‏(‏ومحيصة‏)‏ بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية المشددة وفتح الصاد المهملة ‏(‏أقبل‏)‏ وفي بعض النسخ فأقبل ‏(‏وحويصة‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء مصغراً، وقد روى التخفيف فيه وفي محيصة ‏(‏قبل صاحبه‏)‏ وفي بعض النسخ قبل صاحبيه وهو الظاهر ‏(‏كبر الكبر‏)‏ الأول أمر من التكبير والثاني بضم الكاف وسكون الموحدة أي قدم من هو أكبر منك وأسن بالكلام إرشاد إلى الأدب ‏(‏مقتل عبد الله بن سهل‏)‏ أي قتله ‏(‏فقال لهم أتحلفون خمسين يميناً‏)‏ وفي رواية عند مسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته ‏(‏صاحبكم أو قاتلكم‏)‏ شك من الراوي ‏(‏قال فتبرئكم يهود بخمسين يميناً‏)‏‏.‏ وفي رواية للشيخين‏:‏ فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم‏.‏ أي يحلف خمسون من اليهود فتبرئكم من أن تحلفوا ‏(‏أعطى عقله‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون القاف أي ديته‏.‏ زاد في بعض الروايات من عنده وفي رواية للبخاري‏:‏ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجاناً لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين‏.‏ وقد حمل بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة للمصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة في الحج‏.‏ وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ هذا الحديث أصل من أصول الشرع، وقاعدة من قواعد الأحكام، وركن من أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وإن اختلفوا في صورة الأخذ به، وروى التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكماً‏.‏ وهذا مذهب الحكم بن عتيبة وأبي قلابة وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وقتادة ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو البخاري‏.‏ وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه قال الحافظ‏:‏ وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة أخذوا بها وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب انتهى‏.‏ ‏(‏وقد رأى بعض فقهاء المدينة القود بالقسامة الخ‏)‏ اختلف القائلون بالقسامة فيما إذا كان القتل عمداً هل يجب القصاص بها أم لا‏؟‏ فقال جماعة من العلماء‏:‏ يجب‏.‏ وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وقول الشافعي في القديم‏.‏ وقال الكوفيون والشافعي في أصح قوليه‏:‏ لا يجب، بل تجب الدية‏.‏ واختلفوا في من يحلف في القسامة فقال مالك والشافعي والجمهور‏:‏ يحلف الورثة ويجب الحق بحلفهم‏.‏ وقال أصحاب أبو حنيفة يستحلف خمسون من أهل المدينة، ويتحراهم الولي يحلفون بالله‏:‏ ما قتلناه وما علمنا قاتله‏.‏ فإذا حلفوا قضى عليهم وعلى أهل المحلة وعلى عاقلتهم بالدية‏.‏ كذا في المرقاة نقلاً عن النووي‏.‏